الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإقناع في القراءات السبع
.الأسباب الشاذة: إمالة ما شبّه بالألف المشبهة بالألف المنقلبةوذلك هاء التأنيث في الوقف. قال سيبويه في كتابه: "وقد أمال قوم أشياء ليست فيها علة مما ذكرنا فيما مضى، وذلك قليل، سمعنا بعضهم يقول: طُلبنا بالإمالة في طَلبنا زيد، كأنه شبه هذه الألف بألف حُبْلى، حيث كانت آخر الكلام، ولم تكن بدلا من ياء" وقال سيبويه: "سمعت العرب يقولون: ضربت ضربه، وأخذت أخذه، وشبه الهاء بالألف فأمال ما قبلها كما يميل ما قبل الألف". قال أبو جعفر: لم يبين بأي ألف شبّهت، والظاهر أنها شُبِّهت بألف التأنيث؛ لاستوائهما في معنى التأنيث، فهاء التأنيث على هذا مثل ألف "طَلَبنا" في التشبيه بالمشبه إلا أن ألف "طلبنا" أبعد من الإمالة؛ لأنه لا تأنيث فيها، ولذلك جعل سيبويه إمالتها شذوذا. فأما إمالة هاء التأنيث فأقوى؛ لأنها تشبه ألف "حبلى" لفظا ومعنى، أما اللفظ فإنها آخر كما أنها آخر، ولاجتماعهما في المخرج والخفاء وانفتاح ما قبلهما. وأما المعنى فما ذكرناه من التأنيث، فجرت في إمالة ما قبلها مجرى ألف التأنيث؛ لمشابهتها إياها من طريق اللفظ والمعنى. فكان الكسائي يميل ما قبل هاء التأنيث في الوقف. وذكر الأهوازي أن ذلك مرويّ عنه نصا في خمس كلم لا غير. حدثنا أبي -رضي الله عنه- حدثنا أبو علي الحسين بن عبد الله، حدثنا عبد الوهاب بن محمد، حدثنا الأهوازي، حدثنا أبو إسحاق الطبري، حدثنا أحمد بن عثمان الأدمي، حدثنا إدريس بن عبد الكريم، حدثنا خلف بن هشام قال: سمعت الكسائي يقف على قوله تعالى: {بِالْآخِرَةِ} وعلى "نعمة، ومعصية، ومرية، والقيِّمة"، ونحو ذلك بكسر الراء في {الْآخِرَةِ}، والميم في {نِعْمَةَ}، والياء في "مَعْصِيَة" وكذلك بقيتها وما أشبهها. وحدثنا أبو داود، حدثنا أبو عمرو، حدثنا أبو مسلم، حدثنا ابن الأنباري، حدثنا إدريس، حدثنا خلف قال: سمعت الكسائي يسكت على قوله {وَبِالْآخِرَةِ} وعلى {نِعْمَةَ} و {مِرْيَةٍ} و"معصية" وكذلك بقيتها وما أشبهها، يعني بالإمالة. قال أبو جعفر: وهذه الحكاية عن خلف عنه تقتضي العموم وإطلاق القياس، لا ما ذكره الأهوازي. وقد اختلف القراء في هذا الباب؛ فأخذ أبو مزاحم الخاقاني بالإمالة في جميعه من غير استثناء شيء منه على ما توجبه الرواية، وهو مذهب أبي أحمد عبد الوهاب بن عيسى بن أبي نصر البغدادي، يعرف بابن أبي الشفق. وكان الشذائي ربما أخذ به، حدثنا بذلك أبو الحسن بن كرز عن ابن عبد الوهاب، عن أبي عبد الله الكارزيني، عن أبي بكر الشذائي. وأما ابن مجاهد فقسمه ثلاثة أقسام: قسم يمال، وقسم لا يمال، وقسم يشترط فيه. القسم الأول: خمسة عشر حرفا، يجمعها هجاء: "فجثت زينب لذود شمس". تمثيل ذلك: الفاء {مَصْفُوفَةٌ}، الجيم {حُجَّةٌ}، والثاء {مَبْثُوثَةٌ}، التاء {بَغْتَةً}، الزاي {بَارِزَةً}، الياء {جَارِيَةٌ}، النون {جَنَّةٍ}، الباء {حَبَّةٍ}، اللام {عَامِلَةٌ}، الذال {لَذَّةٍ}، الواو {قُوَّةً}، الدال "خامدة"، الشين {فَاحِشَةً}، الميم {نِعْمَةَ}، والسين {الْمُقَدَّسَةَ}، ونحو هذه الكلم يملن حيث وقعن. القسم الثاني: حدثني أبو القاسم -رحمه الله- حدثنا أبو معشر، حدثنا الحسين بن علي، حدثنا الخزاعي قال: سمعت أبا بكر -يعني الشذائي- يقول: وكان ابن مجاهد وابن المنادي يختاران ترك الإمالة مع تسعة أحرف تأتي قبل هاء التأنيث، سبعة منها حروف الإطباق وهي "ضغط خص قظ" ومع الحاء والعين. قال أبو جعفر: زاد الحاء والعين على مذهب الكوفيين؛ لأنهما عندهم من حروف الاستعلاء. تمثيل ذلك: الضاد {قَبْضَةً}، الغين {بَالِغَةٌ}، الطاء {بَسْطَةً}، الخاء {الصَّاخَّةُ}، الصاد {خَالِصَةً}، القاف {الْحَاقَّةُ}، الظاء {غِلْظَةً}، الحاء {أَجْنِحَةٍ}، العين {وَاسِعَةٌ}، ونحوهن يفتحن حيث وقعن. القسم الثالث: أربعة أحرف، يجمعها هجاء "أكره". قال أحمد بن عمار الضرير: إن انفتح ما قبل هذه الحروف، أو انضم، أو كان ألفا، أو واوا ساكنة، أو حرفا ساكنا من حروف السلامة قبل فتحة أو ضمة وُقف بالفتح، نحو: "التهلكة، وبراءة، وامرأة، وعورة، وسورة، وعسرة، وقترة" وإن انكسر ما قبل هذه الحروف، أو كان ياء ساكنة، أو ساكنا سالما قبله كسرة أمال، نحو "ناظرة، وعشيرة، ووجهه" إلا أن يكون الساكن مطبقا فيفتح نحو "فِطْرَة". حدثنا أبو القاسم، حدثنا أبو معشر، حدثنا الحسين، حدثنا الخزاعي قال: وكان ابن مجاهد يختار أيضا ترك الإمالة إذا كان قبل الهاء راء مفتوح ما قبلها، نحو {غَبَرَةٌ} فإذا كانت كسرة أمالها، نحو {فَاقِرَةٌ} فإن سكن ما قبل الراء، وانفتح أو انضم ما قبل الساكن لم يمل، نحو "عشرة، ونظرة، وفترة" فإن انكسر ما قبل الساكن أمال نحو {سِدْرَةِ} ولم يمل "فِطْرَة"، فإن كان قبل الراء ياء ساكنة أو كسرة أمال، نحو: {صَغِيرَةً} فإن كان ما قبلها واوا لم يمل، نحو: {سُورَةٌ} فإن كان قبل الهاء همزة قبلها كسرة أمال، نحو {سَيِّئَةٍ} فإن انفتح ما قبل الهمزة فتح نحو "امْرَأَة" فإن كان في الكلمة هاءان أمال نحو {فَاكِهَةٌ} إلا أن يكون وزن الكلمة على "فَعَالة" نحو: {سَفَاهَةٍ} فإن كان قبل الهاء كاف قبلها كسرة أو ياء ساكنة أمال نحو "الملائكة، والأيكة" فإن كان قبلها غيرهما فتح نحو {الشَّوْكَةِ} فإن أملت فجائز. قال أبو جعفر: فهذا تفسير اختيار ابن مجاهد، وإليه مال الناس وبه أخذوا، وإياه اختار أبو محمد وأبو عمرو، على أن أبي -رضي الله عنه- أخبرني غير مرة أن أبا الحسن علي بن عبد الرحمن المقرئ الحافظ أخبره أن أبا عمرو رجع عن اختياره ذلك إلى اختيار إطلاق القياس. وأما أنا، فآخذ في رواية الدوري باختيار ابن مجاهد، وفي رواية أبي الحارث باختيار أبي مزاحم، وقد أدخل أبو مزاحم في هذا الباب إمالة هاء السكت، وذكر أنه قرأ به نحو "ماهيه، وكتابيه، وحسابيه"، وبه قرأت من طريقه. فحدثنا أبو القاسم، حدثنا أبو معشر، حدثنا الحسين، حدثنا الخزاعي قال: سمعت أبا بكر -يعني الشذائي- يقول: سمعت أبا مزاحم يقول: قرأت بإمالة ما قبل هاء الوقف، وهو قول ابن أبي الشفق، وإليه ذهب ثعلب وابن الأنباري. قال أبو الفضل: وسمعت الشذائي يقول: سمعت ابن المنادي يقول: والإمالة جائزة. فقال لي أبي -رضي الله عنه: وجه إمالة ما قبل هاء السكت الشبه اللفظي الذي بينها، وبين هاء التأنيث. قال أبو جعفر: وهذا عندي مثل "طلبنا" في الشذوذ. فأما هاء المبالغة فهاء تأنيث. ولم يبق من حروف المعجم إلا الألف، ولا مدخل لها في هذا الباب لسكونها، فالوقف على "الصلاة، الزكاة، الحياة، النجاة، مناة، هيهات هيهات، ذات، اللات" بالفتح على حد الوصل، والوقف على "مزجاة، مرضات، مشكاة، تقاة" بالإمالة على حد الوصل؛ لأن الممال فيهن الألف وما قبلها لا الهاء، والممال في هذا الباب للكسائي هاء التأنيث وما قبلها، فالبابان متباينان..الإمالة للفرق بين الاسم والحرف: قال سيبويه: "وقالوا: با، وتا في حروف المعجم -يعني بالإمالة- لأنها أسماء ما يلفظ به، وليس فيها ما في: قد ولا، وإنما جاءت كسائر الأسماء لا لمعنى آخر". قال أبو جعفر: لا تخلو حروف التهجي الواقعة في أوائل السور مما فيه ألف أن تكون الألف آخرها أو لا تكون آخرها. فإن لم تكن الألف آخرها لم يكن بينهم خلاف في الفتح، نحو: كاف، وصاد، ولام، ونحوه. وإن كانت الألف آخرها اختلفوا في الإمالة وفي الفتح، وجملة ذلك ثماني كلم وهن: {الر، والمر، وكهيعص، وطه، وطسم، وطس، ويّس} و {حم} في السبعة. فقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي ما آخره ألف من ذلك بالإمالة، إلا أن حمزة فتح "ها" من {كهيعص} وحده. وتابعهم أبو عمرو على إمالة {الر}، {المر} حيث وقع، وعلى إمالة الهاء من {كهيعص} والهاء من {طه} وفتح الطاء من {طه}، و {طسم} في السورتين، و {طس}، والياء من {يّس}. واختُلف عن أبي شعيب عنه في إمالة الياء في "مريم" لا غير، وقرأ الحاء في السبع السور بين اللفظين. وتابعهم ابن عامر على إمالة {الر}، و {المر} على أن الخزاعي وفارس بن أحمد حكيا عن أبي أحمد، عن ابن عبدان، عن الحلواني، عن هشام فتح الراء في ذلك. وبالإمالة قرأت على أبي -رضي الله عنه- وعلى ابن شريح من طريق ابن عبدان، وهو المنصوص عن هشام وعن الحلواني عنه، وعلى إمالة الياء من {كهيعص} وفتح الياء من {يّس} والطاء في جميع السور. زاد ابن ذكوان إمالة {حم} في السبعة. وتابع ورش على إمالة الهاء من {طه}، وقرأ سائرهن بين بين "إلا الطاء من {طه}، و {طسم} في الموضعين، و {طس}، والياء من {يّس} فإنه فتحهن". وقرأ قالون الهاء والياء من {كهيعص} بين بين، وفتح سائرهن. وأخلص الباقون الفتح في ذلك كله..الإمالة لكثرة الاستعمال: روى عبد الله بن داود الخريبي عن أبي عمرو إمالة {النَّاسِ} حيث وقع، منصوبا كان أو مجرورا أو مرفوعا، نحو {إنَ النَّاسَ}، و {بِرَبِّ النَّاسِ}، و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وبه قرأت من طريقه على أبي القاسم شيخنا -رحمه الله. ووجه هذه القراءة أن هذا الاسم أُميل لكثرة استعماله في الكلام، كما أُميل "الحجاج" إذا كان علما لأنه كثير في الكلام، ذكره سيبويه. وإمالته في الجر لا كلام فيه لحصول سبب الإمالة، وهي كسرة الإعراب..باب الراءات: أصل الراء عندهم الفتح، حتى يدخل عليها ما يحدث الترقيق وجوبا أو اختيارا. وليس الغرض في هذا الباب ما كان القصد بإمالته غيرها نحو "الأبرار، والنصارى" وشبه ذلك مما أريد فيه إمالة الألف، وإنما الغرض تبيين أحكامها في نفسها، وذلك على ضربين: متفق عليه، ومختلف فيه، وكلا الضربين يحتاج إلى شرحه..شرح المتفق عليه: وهو ينقسم ثلاثة أقسام: قسم أجمعوا على تفخيمه، وقسم أجمعوا على ترقيقه، وقسم جوز أهل الأداء فيه الوجهين لجميعهم. الأول: كل راء متحركة بالفتح أو الضم، قبلها فتحة أو ضمة أو كسرة عارضة، أو ساكن قبله أحد هذه الثلاثة، أو كان بعدها حرف استعلاء أو راء أخرى في كلمة بينهما ألف، فهي مفخمة بإجماع، طرفا كانت أو غيره، منونة أو غير منونة، مشددة أو مخففة، نحو: {إِنَّ رَبَّكَ}، و {حَذَرَ الْمَوْتِ}، و {غَرَابِيبُ سُودٌ}، و {رُزِقُوا}، و {يُرَدُّونَ}، و {ذْكُرُوا}، و {الْيُسْرَ}، و {الْعُسْرَ}، و {عُسْرًا}، و {يُسْرًا}، و {غَفُورٌ شَكُورٌ}، و {حُمُرٌ}، و{مِن رَبِّكُم}، و {يَمُرُّونَ}، و {لِرَبِّهِمْ}، و {بِرَأْسِ أَخِيهِ} [الأعراف: 150]، و {إِنِ امْرُؤٌ}، و {إِنِ امْرَأَةٌ}، و"قَالَتِ امْرَأَة" وشبه ذلك حيث وقع. وكل راء مفتوحة قبلها كسرة لازمة، بعدها ضاد أو طاء، بأي حركة تحركا، أو راء مفتوحة أو مضمومة حال بينهما ألف، أو كان الاسم أعجميا، فهي مفخمة للجميع، نحو: "إعراضا، وإعراضهم"، و"صراط، والصراط، وإلى صراط، وهذا صراط"، و"الفرار، وفرارا"، و"إسرائيل، وعمران، وإبراهيم". وكل راء مفتوحة وقعت بعد ساكن هو "صاد" أو "طاء" أو"قاف" فالكل على تفخيمه، وذلك سبع كلم {إِصْرَهُمْ} [الأعراف: 157]، و {مَصْرَ} في أربعة مواضع، و {فِطْرَتَ اللَّهِ} [الروم: 30]، و {قِطْرًا} [الكهف: 96]، و {مِصْرًا} [البقرة: 61]، و {إِصْرًا} [البقرة: 286]، و {وَقْرًا} [الذاريات: 2] ولم يحفلوا بالكسرة اللازمة لأجل الحرف المستعلي. وكل راء ساكنة قبلها فتحة، أو ضمة، أو كسرة عارضة أو لازمة، والراء بعدها حرف استعلاء مفتوح، فهي مفخمة بإجماع، نحو "مرجعكم، وكرسيه، وأم ارتابوا، ويا بني اركب، وإرصادا، ومرصادا، وفرقة، وقرطاس". واستثنى الأذفوي لورش {بَيْنَ الْمَرْءِ} في الموضعين [البقرة: 102، الأنفال: 24] فرقق، والوجه التفخيم كالجماعة، وبه الأخذ. وأخذ بعضهم لورش بترقيق ما فيه حرف الاستعلاء للزوم الكسرة، وبالتفخيم يؤخذ، وعليه كتب الأئمة مطبقة. والمشدد وغيره سواء فيما فُخم نحو "الرحمن الرحيم، ومن ربهم، ويضروكم". وذكر الأهوازي أنه رأى في الشيوخ من يرقق المشدد، وهؤلاء الشيوخ الذين ذكر قوم عَجَم، ولا يجوز غير التفخيم. وكل ما استثنى ورش من أصوله التي تشرح في الباب بعدُ ففخمه، فالقراء موافقون له على التفخيم. الثاني: كل راء مكسورة كسرة عارضة أو لازمة، فهي رقيقة للكل، فما هي مكسورة خفيفة كانت أو شديدة نحو: "فريق، والحريق، ورئاء الناس، وإلى البر، ونكر، ونهر" وشبهه. وكل راء ساكنة، ما قبلها يكون مكسورا كسرا لازما، وليس بعدها حرف استعلاء مفتوح، فهي مرققة بإجماع، نحو "مرية، وشرعة، وفرعون، والإربة، وفرق" ونحو ذلك. واستثنى قوم {فِرْقٍ} ففخموا رعاية لحرف الاستعلاء وإن انكسر. واستثنى قوم {مِرْفَقًا} [الكهف: 16] على قراءة من كسر الميم ففخموا، وهذا بعيد. وهؤلاء عندي الذين أخذوا لحمزة في "مؤمن، والمؤمنون" بغير تسهيل في الوقف. الثالث: كل راء ساكنة، بعدها ياء مفتوحة نحو: "مريم، وقرية، ومن قريتنا، ومن قريتكم" ونحوه، فأهل الأداء مختلفون فيها لجميعهم، فكان أبو بكر الداجوني يأخذ في ذلك بالتفخيم، وإليه ذهب عثمان بن سعيد، وقال: الياء إذا تحركت بالفتح كسائر الحروف لا توجب إمالة ولا ترقيقا، وخطأ من أخذ بالترقيق، وعلى ذلك كان أصحابه. وقد ألف في ذلك أبو داود كتابا، أذن لنا في روايته عنه. وكان أبو محمد مكي والناس الجماء الغفير يأخذون بالترقيق، وعليه اليوم أكثر القَرَأَة عندنا. وذكر الأهوازي أنه على الترقيق. . . . . البصرة ومدينة السلام، قال لي -أبي رضي الله عنه: الوجهان صحيحان..شرح المختلف فيه: كل راء مفتوحة، منونة كانت أو غير منونة، قبلها كسرة لازمة، وليس بعدها في الكلمة نفسها ضاد ولا طاء ولا قاف ولا راء أخرى، فورش يرقق نحو: "الآخرة، وفاقرة، وتبصرة، وليغفر، وقاصرات، وفاطر، وقطران، وفالمدبرات، وفراشا، وسراجا، وسراعا، وذراعا، وذراعيه، وافتراء، ومراء، وظهيرا، وتنتصران، والفراق، والإشراق، وطائر، وصابرا" ونحوه، و {حَصِرَتْ} [النساء: 90] في الوقف. واستثنى له قوم {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 7] ففخموه. واختيار طاهر بن غلبون الترقيق فيه، وبه قرأ شيخنا على أبي بكر الصقلي. واختار عثمان بن سعيد تفخيمه، قال: لأنه أعجمي. واستثنى قوم {حَصِرَتْ} في الوقف، وأكثرهم على الترقيق له فيه. فأما في الوصل فمنهم من يفخمه، ومنهم من يرققه. واستثنى قوم إذا وقع بعد الراء ألف التثنية، ضميرا كانت أو حرفا نحو: "طهرا، وتنتصران، وساحران" أو ألف المد بعدها القاف مضمومة، نحو: "الفراق، وهذا فراق" أو العين مفتوحة نحو {ذِرَاعًا} أو الهمزة مفتوحة، نحو {مِرَاءً}. وبالفتح أخذ طاهر في هذا كله، وأخذ غيره في ذلك كله بالترقيق إلا في القاف، فأخذ أكثرهم فيها بالتفخيم، وهذا هو اختياري. وألف التثنية ليست هي الممالة، إنما الممال الراء، فلا عليك كانت الألف للتثنية أو لغيرها. وذكر أبو عمرو أن بعضهم أخذ بالترقيق في نحو "صابرا، وشاكرا" وبالتفخيم في الوصل. وأما الترقيق في الوقف عنه فإجماع، قال: والصواب الترقيق في الوصل كالوقف، وهو كما قال. وكل راء مفتوحة قبلها ساكن غير الياء، قبله كسرة، وليس هو بحرف إطباق، ولا بعدها حرف استعلاء ولا راء بعد ألف، والكلمة عربية، فورش يرقق، نحو: "الشعر، والسحر، وسدرة، وإخراج، وإسرافا، والإكرام، وإكراههن، والمحراب" ونحوه. واستثنوا من هذا {وِزْرَ أُخْرَى} حيث وقع، والأشهر الترقيق. واستثنى ابن سفيان "حذركم، وعبرة، وكبره" قال: وكذا كل ساكن كان أقرب إلى خارج الفم من الراء، وتكون مع ذلك الكسرة التي قبل الساكن في حرف حلق، أو في كاف أو قاف. وجمع أبو العباس المهدوي الحروف التي هي أقرب إلى خارج الفم من الراء في هجاء "مذ فزت ثبط صد ظن سو" حدثني بذلك محمد بن سليمان النحوي عن خاله غانم بن وليد عنه. قال ابن سفيان: ومن هذه الحروف شيء لم يقع في القرآن ساكنة قبل الراء، ولكن هذا هو الأصل الذي ذهب إليه ورش، وعلى هذا الأصل يجب أن ترقق {وِزْرَ}، وقد ذكرنا فيه الخلاف، ويجب أن يفخم له "إسرافا، والإشراق"، وقد اعتذر عنه ابن سفيان وقال: إنه خالف هذا الأصل، فرقق "إسرافا، والإشراق". وذكر طاهر في {وِزْرَكَ}، و {ذِكْرَكَ} في [ألم نشرح: 2، 4] الوجهين. وذكر في "الإشراق" الترقيق لانكسار المستعلي، وأخذ في المنون المنصوب حيث وقع بالترقيق، نحو: {ذِكْرًا}، و {صِهْرًا}، و {وِزْرًا} وهو القياس. واستثنى منه ثلاثة أحرف، وهي "إصرا، ومصرا، وقطرا" واستدرك عليه أبو عمرو {وَقْرًا} قال: إن كان راعى في الاستثناء القياس، ونصوص القدماء عن ورش بالتفخيم في هذا المنون حيث وقع إلا {صِهْرًا} وحده، فأخذ فيه كثير منهم بالترقيق. وكل راء مفتوحة منونة أو غيرها، قبلها ياء ساكنة، حرف لين كانت أو حرف مد ولين، فورش يرقق الراء نحو "الخيرات، وغير، وحيران، والخير، والطير، والسير، ولا ضير، وسيرا، وخيرا، وميراث، والمغيرات، ومصيركم، وعشيرتكم، ولكبيرة، وصغيرة، والفقير، والخنازير، وخبيرا، وبصيرا، وقمطريرا" ونحوه. واستثنى له بعضهم "حيران، وعشيرتكم" ففخموا. واختُلف في المنون الذي قبله حرف مد ولين، كان على وزن "فعيل" أو غيره، وأكثر ما يجيء على زنة "فَعِيل" نحو "قديرا، وخبيرا، وقمطريرا". فكان بعضهم لا يرى الإمالة في الوصل، ويأخذ بالتفخيم فيه، وهو مذهب أبي الطيب في "فعيل" وكذلك روى الخزاعي عن أبي عدي، فإذا وقفوا رققوا بلا خلاف عنه في الترقيق في الوقف. قال لي أبي -رضي الله عنه: شبه أبو الطيب {خَبِيرًا} وبابه بقرًى، فرقق عند ذهاب التنوين في الوقف، وفخم معه في الوصل، وليس مثله؛ لأن التنوين في {قُرًى} أذهب الألف التي هي سبب الترقيق، فوجب التفخيم، والياء في {خَبِيرًا} وبابه ثابتة مع ثبوت التنوين وذهابه، فليس مثله في شيء، وقد غلط أبو الطيب في ذلك. وكل راء مضمومة، وليتها من قبلها كسرة لازمة، أو ياء ساكنة، كان قبل الياء كسرة أو لم يكن، أو ساكن غير الياء قبله كسرة لازمة، فورش يرققها نحو "يصرون، ويسرون، وخسروا، والقاهر، والقادر، ولذكر الله، وسحر، وكبر، وخير، وخبير، وبصير" ونحوه حيث وقع. واستثنى ابن سفيان عن قراءته على المهدوي {كِبْرٌ} في [المؤمن: 56]، و {عِشْرُونَ} في [الأنفال: 65] ففخم. قال: وذكر لي المهدي أنه ما رأى أحدا من المصريين أصحاب ورش يقرؤهما إلا بالتفخيم. وكذلك ذكر أبو محمد مكي أنه بالتغليظ قرأ فيهما. وقرأت على أبي محمد بن عتاب، وذكر أن مكي بن أبي طالب حدثه قال: مذهب أبي الطيب -رحمه الله- في المضمومة خاصة أنه لا اختلاف فيها بين أحد من القراء، ولم يطلق عليها اسم تفخيم ولا ترقيق، يعني أن أبا الطيب كان يعتقد في اللفظ بها لهم أنه من غير ترقيق ولا تفخيم، ونصوص المتقدمين من المصريين عن أصحاب ورش بالترقيق. وحدثنا أبو داود، حدثنا أبو عمرو قال: كان شيخنا أبو الحسن ينكر ذلك إنكارا شديدا، ويقول: ذلك تلعُّب منهم بألسنتهم، قال أبو عمرو: والصحيح الترقيق. قال أبو جعفر: كل ما ذكرنا في باب الراء من المتفق عليه لا يسع أحدا الخروج عنه؛ لأن ما عداه لحن، وما ذكرنا من طريق أهل مصر عن ورش فشيء لا يأخذ به غيرهم، وأهل العراق وخراسان لا يأخذون به عنه؛ لأنهم أكثر ما يقرءون برواية الأصبهاني عنه، ومن نقل منهم رواية أبي يعقوب أو ابن القاسم لم يتشاغل بشيء من هذا. وقد بينت مذهب المصريين، وحصرته جهدي في اختصار، ولم يشذ عليَّ منه شيء إلا القليل إن كان شذ، والله أعلم..الوقف على الراءات: كل راء مفتوحة طرفا غير منونة، قبلها كسرة، أو ياء بحائل، أو يليانها فالوقف عليها للجميع بالترقيق، نحو "ليغفر، وقدر، والذكر، والشعر، والخنازير، والفقير، والخير، والطير" وشبهه. وكل راء مفتوحة طرفا، قبلها فتحة أو ضمة بحائل، أو يليانها فالوقف عليها للجميع بالفتح كالوصل نحو "ألم تر، والدبر، والأمور، والعسر، واليسر" ونحوه. وكذلك إن كان قبلها ألف، نحو {إِلَّا النَّارَ}. وكل راء مضمومة طرفا، منونة أو غير منونة، وليها كسرة لازمة، أو ياء ساكنة، نحو "تستكثر، ومستمر، وإلا نذير" وشبهه فالقراء -إلا ورشا- إن راموا الحركة وقفوا بالتفخيم، وإن أسكنوا أو أشموا رققوا، وورش يرقق في الأحوال الثلاثة. وكل راء مضمومة طرفا، تليها فتحة أو ضمة فالوقف عليها للجميع بالتفخيم مع السكون والروم والإشمام، نحو "أمر، ومستطر، والنذر" وشبهه. وكل راء مكسورة طرفا، قبلها ياء أو كسرة فالوقف عليها بالترقيق لجميعهم مع الإسكان والروم، نحو "منهمر، ومستمر، ومن بشير ولا نذير". وكل راء مكسورة طرفا، قبلها فتحة أو ضمة فالوقف عليها للجميع بالترقيق مع الروم، وبالتفخيم مع السكون نحو "من مطر، وسفر، ودسر، ونكر"..باب: اللامات ليس تخلو اللام من أن تكون في اسم الله عز وجل، أو في كلمة غيره، فأما اسم الله عز وجل فلا يخلو أن يكون قبله فتحة أو ضمة، أو يكون قبل اللام كسرة. فأجمعوا على تفخيم اللام فيه إذا تقدَّمها فتح أو ضم نحو: {قَالَ اللَّهُ}، و {كَانَ اللَّهُ}، و {يَعْلَمْهُ اللَّهُ}، و {رُسُلُ اللَّهِ} إلا ما كان يأخذ به أبو بكر بن مقسم للجماعة من ترقيقها، وهو مذكور عن أبي عمرو والكسائي. فحدثني أبي -رضي الله عنه- حدثنا الحسين بن عبيد الله، حدثنا عبد الوهاب بن محمد، حدثنا الأهوازي، حدثنا أبو الحسن الغضائري، حدثنا أبو محمد القاسم بن زكريا بن عيسى، حدثنا أبو حمدون قال: كان الكسائي إذا قرأ لنفسه رقَّق اللام في ذلك، وإذا أقرأ غيره غلَّظ اللام في جميع ذلك. قال الأهوازي: وكذلك قرأتها على أبي حمدون عن الكسائي، وهي رواية شجاع واللؤلؤي عن أبي عمرو، وابن برزة عن الدوري عن اليزيدي عنه. وحدثنا أبو الحسن بن كرز، حدثنا ابن عبد الوهاب قال: سمعت الأهوازي يقول: سمعت أبا الحسن العلاف البصري يقول: مذهب البصريين قديما والكوفيين حديثا ترقيق اللام في ذلك حيث كان. قال أبو جعفر: والذي قرأت به على أبي -رضي الله عنه- وسائر شيوخي من الطرق المذكورة في هذا الكتاب تغليظ اللام، وبه آخذ. وأجمعوا على فتح اللام من غير تغليظ إذا كان قبل اللام كسرة، كقوله تعالى: {إِنَّا لِلَّهِ}، و {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، و {فِي اللَّهِ}، و {فِي كِتَابِ اللَّهِ}، و {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ونحوه حيث وقع. وأما اللام في غير اسمه تعالى، فالذي عليه القراء في اللفظ بها أنها مفتوحة غير مفخمة. والتفخيم عندهم فيما عدا ما ذكرنا من اسم الله تعالى مجتنب مكروه. قال الحسن بن مخلد: كان القراء يكرهون تغليظ اللامات في القرآن كله. وحكى أبو طاهر في كتاب "البيان" عن ابن جبير عن سليم عن حمزة، وعن الأعشى عن أبي بكر عن عاصم {أَلَمْ} بتفخيم اللام. وحكى المصريون عن ورش تغليظها إذا لم تكن حركتها الكسر، ووقع بينهم من الاختلاف عنه نحو ما وقع في الراءات، وأنا أبين ذلك إن شاء الله. اعلم أن الذي اتفق عليه أهل مصر عن أبي يعقوب عن ورش -من تغليظ اللام- هو أن تكون متحركة بالفتح، وقبلها يليها الصاد متحركة بالفتح أو ساكنة، نحو: "الصلاة، ومصلى، ومفصلا، وفيصلب، ومن أصلابكم" وما أشبهه، فهذا لا خلاف بينهم فيه أنه مفخم له. وكان أبو بكر بن الأذفوي يأخذ بترقيق ما عداه. وكان أبو الطيب وابنه وأصحابهما يزيدون إلى ذلك تفخيم اللام المفتوحة إذا كان قبلها يليها الظاء متحركة بالفتح أو ساكنة، على شرط الصاد سواء، نحو "ومن أظلم، وظلموا، وبظلام، وظل وجهه، وظللنا" وشبهه. وكان أبو عدي وغيره يزيدون إلى ذلك الطاء، سكنت أو تحركت بالفتح إذا انفتحت اللام، مخففة كانت الطاء أو اللام أو مشددتين، نحو: الطلاق، وطلقتم، وطلبا، وبطل و {مَطْلَعِ الْفَجْرِ} وشبهه. وبهذا كان أبو عمرو يأخذ، ويذكر أنه كذلك قرأ على خلف بن خاقان وفارس بن أحمد. وكان ابن سفيان يزيد إلى ذلك من طريق المهدوي تفخيم اللام المفتوحة إذا كانت قبلها ضاد ساكنة نحو: {أَضْلَلْتُمْ} [الفرقان: 17] فإن تحركت الضاد رقق كالجماعة، نحو {ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ}، و"ضلوا". فقد حصل الخلاف في اللام مع حروف الإطباق الأربعة. فإن سكنت اللام أو تحركت بالضم، أو تحركت هذه الحروف قبلها بالضم أو الكسر فذكر أبو عمرو والأهوازي أن الترقيق لا اختلاف فيه نحو: "وصلنا، وصلصال، وفظلتم، وطلع، وطلعها، ويضلون، وفضل، و {تَطْلُعُ} ، وظلة، وظلل، وفصلت، وفي ظلال". وذكر ابن سفيان في "فضل، وتطلع" التفخيم، وفي {صَلْصَالٍ} الوجهين. وكذلك ذكر أبو محمد وأبو عمرو الوجهين في {صَلْصَالٍ}. قال ابن سفيان: فإن وقعت مضمومة أو مفتوحة بين خاء وطاء، أو خاء وصاد، أو تاء وطاء، أو غين وظاء فهي مفخمة مثل "خلطوا، وأخلصوا، فاختلط، وليتلطف، واغلظ عليهم، والمخلصين" وما أشبه ذلك باختلاف عنه. وسمعت أبا القاسم شيخنا يحكي عن ابن عبد الوهاب أن الأهوازي قرأ عليه قارئ {فَاخْتَلَطَ بِهِ} [الكهف: 45] بالتفخيم لورش فقال له: ارفع هذا إلى الختمة الأخرى. فإن حالت الألف بين اللام المفتوحة والصاد اختلفوا، فرقق بعض، وفخم بعض، وذلك نحو {فِصَالًا} و{يَصَّالحَا} [النساء: 128] و {فَطَالَ عَلَيْهِمُ}. فإن وقعت اللام التي قبلها الصاد رأس آية، وذلك ثلاثة مواضع، في [القيامة: 31] {وَلا صَلَّى}، وفي [الأعلى: 15] {فَصَلَّى}، وفي [اقرأ: 10] {إِذَا صَلَّى} فقد اعترضه أصلان، أحدهما يوجب الترقيق، وهو كونه رأس آية، والآخر يوجب التفخيم، وهو ما أصله في نظيره مما لم يكن رأس آية. فالترقيق عندهم والتفخيم جائزان، والمختار له عند جماعة الترقيق لتعتدل الآي، وهو اختيار ابن سفيان وأبي محمد وأبي عمرو، وهو اختياري. فأما {يَصْلاهَا مَذْمُومًا} [الإسراء: 18]، و {يَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 12]، و {تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 4] و {لَا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل: 15]، و {سَيَصْلَى نَارًا} [المسد: 3] فالذي أخذ به الناس له في هذه الخمسة بالتفخيم. وأجاز له أبو عمرو الترقيق على طرد أصله في إمالة ما كان من ذوات الياء بين بين. وذكر ابن سفيان أنه قرأ على المهدوي بتفخيم اللام من {ثَلاثَةً} حيث وقع، إلا قوله: {بِثَلاثَةِ آلافٍ} [آل عمران: 124]، {وَثُلاثَ وَرُبَاعُ} [النساء: 3]، و {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} [الزمر: 6]، و {إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} [المرسلات: 30] فإنه بترقيق اللام. قال: وعلى هذا تدل رواية داود بن أبي طيبة. قال: وقد ذكر يونس عن ورش وسقلاب أنه قرأ {ثَلاثَةً} عليهما بالفتح في جميع القرآن، يعني التفخيم، وكثير من المصريين يأخذون به. قال أبو جعفر: هذا ما جاء عنهم في هذا الباب، واختيار أبي -رضي الله عنه- من ذلك، واختياري ما أخذ به الأذفوي؛ لأنه أقرب إلى ما حكى سيبويه من الألف المفخمة التي ينحى بها نحو ما انقلبت عنه، وهو الواو، كما ينحو من أمال {رَمَى} نحو الياء التي انقلبت عنه. وقال الأهوازي: أهل العراق ومدينة السلام وأصبهان وخراسان ما يعرفون ذلك عن ورش، ولا يأخذون به. وقال أبو طاهر بن أبي هاشم: اختلف القراء في تغليظ اللام وترقيقها من {الم}، و {المر} وشبهه في جميع القرآن، فروى قنبل وابن ذكوان عن أصحابهما أن اللام رقيقة غير مغلظة، قال ابن ذكوان: وكذلك اللام في جميع القرآن. وقال ابن جبير في مختصره عن سليم عن حمزة: كان يقرأ {الم} يفخم اللام ويملأ بها الفم تفخيما حسنا. قال أبو طاهر: وقرأت على أبي بكر وأبي عثمان بترقيق هذه اللام، وكل لام مشددة قبلها كسرة أو ياء. قال: وقال الرازي عن الخياط عن الشموني عن الأعشى عن أبي بكر: {الم} يغلظ اللام. وقال أحمد بن صالح عن قالون: {الم} غير مفخمة اللام. وقال ابن جبير في "مختصره" عن اليزيدي عن أبي عمرو، وعن إسماعيل، وعن المسيبي عن نافع: كانا لا يبلغان باللفظ ما يبلغ به حمزة؛ لأن مذهبهما الحدر إذا قرآ. قال أبو جعفر: يعني أحمد بن جبير أن أبا عمرو ونافعا لا يمدان {الم} بقدر مد حمزة؛ لأن المد إنما يكون على حسب التحقيق في القراءة أو الحدر، ولم يرد أنهما لا يبلغان من التفخيم ما يبلغه حمزة؛ لأن الحدر لا يوجب في القراءة تفخيما ولا ترقيقا مخالفا لما يوجبه التحقيق، وإنما يشير إلى المد، والله أعلم. وهذا الفصل كله ينبغي أن يكون من باب التجويد، وهكذا قال لي أبي -رضي الله عنه..باب: الوقف على الممال هذا الباب ينقسم قسمين: ممال في الوصل لسبب يعدم في الوقف، وممال في الوقف لسقوطه في الوصل..شرح الأول: الممال في الوصل لسبب يعدم في الوقف: أصلان:أحدهما: {النَّاسِ} حيث وقع مجرورا، فلا أعلم خلافا بين أهل الأداء في الأخذ -لمن أماله في الوصل- بالإمالة في الوقف. والثاني: الراء المكسورة نحو: "النار، والأبرار" وبابه حيث وقع، فهذا لهم فيه -في مذهب من أمال في الوصل أو رقق- ثلاثة أقوال: منهم من أمال في الوقف، وهو مذهب ثعلب وابن مجاهد، واختيار أبي محمد مكي وأبي عمرو، قالوا: لأن الوقف عارض. ومنهم من فتح في الوقف لزوال الموجب للإمالة أو الترقيق، وهو مذهب أبي الحسين بن المنادي والشذائي وابن أشتة وابن حبش، وذكره داود بن أبي طيبة في مذهب ورش. ومنهم من قال: أقف بالروم؛ لأنه مروي عمن يميل هذا الأصل، وأميل أضعف من إمالة الوصل بقدر الإشارة، وهو مذهب أبي طاهر بن أبي هاشم. قال أبو جعفر: هذه أقوالهم، وقد غاب عنهم -والله أعلم- نص سيبويه في ذلك، قال سيبويه: "وقد قالوا: مررت بمال كثير، ومررت بالمال كله، كما تقول: هذا ماشٍ، وهذا داعٍ، فمنهم من يدع ذلك في الوقف على حاله بالإمالة، ومنهم من ينصب في الوقف؛ لأنه قد أسكن ولم يتكلم بالكسرة فيقول: بالمال وماشٍ، وأما الآخرون فتركوه على حاله ممالا كراهية أن يكون كما لزمه الوقف" قال: "والراء إذا تكلمت بها خرجت كأنها مضاعفة، والوقف يزيدها إيضاحا" ثم قال: "واعلم أن الذين يقولون: هذا داع في السكوت فلا يميلون؛ لأنهم لم يلفظوا بالكسرة كسرة العين، يقولون: مررت بحمار؛ لأن الراء كأنها عندهم مضاعفة، فكأنه جر راء قبل راء، وذلك قولهم: مررت بالحمار، وأستجير من النار"..شرح الثاني: الممال في الوقف دون الوصل ما اعترضه في الوصل التقاء ساكنين، فحُذف لمعنى الساكنين الألف التي كانت تمال لو لم تحذف، فإذا وقفت رجعت فأميلت. والساكن الملاقي ألف الإمالة على ضربين: ساكن في كلمة أخرى نحو: {مُوسَى الْكِتَابَ} أو تنوين نحو: {قُرًى ظَاهِرَةً} [سبأ: 18]. فالضرب الأول: لا خلاف من أصحاب الإمالة في الوقف عليه بالإمالة، سواء كان مرسوما في الخط بألف نحو: {أَحْيَا النَّاسَ} [المائدة: 32]، و {الرُّؤْيا الَّتِيِ} [الإسراء: 60]، و {طَغَا الْمَاءُ} [الحاقة: 11] أو بياء نحو: {مُوسَى الْكِتَابَ}، و {عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ}، و {ذِكْرَى الدَّارِ} [ص: 46] و {الْقُرَى الَّتِي} [سبأ: 18]، و {الْقَتْلَى الْحُرُّ} [البقرة: 178] وشبهه. وقرأت من طريق الأهوازي عن الخضر بن الهيثم الطوسي عن أبي شعيب بإمالة الراء فيما فيه راء من ذلك نحو: {الْقُرَى الَّتِي}، و {نَرَى اللَّهَ} [البقرة: 55]، و {يَرَى الَّذِينَ} [البقرة: 165]. وبه قرأت على أبي -رضي الله عنه- في رواية أبي عمران، عن أبي شعيب قراءته على أصحاب عثمان بن سعيد. وذكر عثمان أنه كذلك قرأ، وأنها رواية أبي العباس الأديب وأحمد بن حفص الخشاب عن أبي شعيب، وأن أبا عمران قد كان يأخذ بالفتح فيه. وبالفتح في ذلك قرأت أنا من طريق ابن حبش عن أبي عمران. وبه قرأت على شريح بن محمد عن قراءته على أبيه من طريق أبي أحمد عن أبي عمران. وقرأت عليه مرة بالإمالة فرده علي وقال: ليس هذا من روايتنا، أو نحو هذا. وبالوجهين آخذ في رواية أبي عمران موسى بن جرير حسبما قرأت به. وذكر عن الكسائي الوقف على {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ} [الرحمن: 54]، و {طَغَا الْمَاءُ} [الحاقة: 11] بالفتح لوقوعهما في الخط بألف، وأنه رجع إلى الإمالة. والإمالة المعمول بها لحمزة والكسائي، وما كتب بالألف من هذه الكلم فوجهه الجمع في الرسم بين مذهب من أمال ومن فتح، ولا يحمل {طَغَا} على أنه كُتب بالألف على لغة من قال: طغوت؛ لأن الذي جاء في القرآن لغة أصحاب الياء؛ لأن فيه "الطغيان": {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} [البقرة: 15] فأما قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} [الشمس: 11] فالوا ومبدلة من الياء للفرق بين الاسم والصفة، كرعوى من الرعاية وبابه. وذهب أبو محمد مكي -رحمه الله- إلى أن الوجه في الوقف على {كِلْتَا} من قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} [الكهف: 33] بالفتح لحمزة والكسائي؛ لأن ألفها في مذهب الكوفيين للتثنية، وقد جاء النص عن الكسائي أن ألفها ألف تثنية، وبين بين على قراءة أبي عمرو؛ لأن ألفها عند البصريين للتأنيث. وذكر عثمان بن سعيد أن أهل الأداء على فتحها لهم ثلاثتهم، وأن سورة نص عن الكسائي على الفتح. قال لي أبي -رضي الله عنه: إذا ترجح أن {كِلْتَا} فِعْلى، وصح أن الكسائي يميل "فِعْلَى" وجب أن يوقف له على {كِلْتَا} بالإمالة اتباعا لروايته، وانصرافا عن مذهبه إلى مذهب البصريين، ولا يلزم الجمع بين روايته ومذهبه عند من يستند إلى نظر يثق به، بل تجب مخالفته فيه. قال أبو محمد مكي: ولا يجوز أن تقاس إمالتها على إمالة {كِلاهُمَا} [الإسراء: 23] لأن بين الألف والكسرة في {كِلْتَا} حرفين، وليس كذلك {كِلاهُمَا}. قال لي أبي -رضي الله عنه: إمالتها للكسرة جائزة مع الحائلين، كما قالوا: صويق، فأبدلوا السين صادا مع الحائلين كما أبدلوها في سيق؛ لأن الإمالة تقريب كالبدل، والساكن غير معتد به. وقد ذكرنا أن حمزة والكسائي إذا وقفا على {تَرَاءَىَ} [الشعراء: 61] أمالا الألف المنقلبة، وأن حمزة زاد إمالة ألف المد وصلا ووقفا، وسنعيد الكلام في هذا الفعل في تخفيف حمزة للهمز إن شاء الله تعالى. وذكر شيوخنا أن قوله تعالى: {إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام: 71] على مذهب حمزة في تخفيف الهمز في الوقف يحتمل أن تكون الألف التي بعد الدال لام الفعل، دون المبدلة من الهمزة، فتمال لذلك له، وهذا الوجه مردود غير جائز. والضرب الثاني: التنوين في المعتل المنصرف نحو: "قرى، وغزى، وفتى، ومصلى، ومسمى، ومفترى" ونحوه حيث كان في حال الرفع والنصب والجر، فهذه الأسماء المقصورة لحق لامها الإعلال الذي بين النحويون من انقلابه ألفا، ياء كان أو واوا، لانفتاح ما قبله، ولحقها التنوين فحذفت الألف في الوصل لالتقاء الساكنين، فصار الاسم في الأحوال الثلاث على صورة واحدة نحو: {وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ}، و {قُرًى ظَاهِرَةً} [سبأ: 18]، و {فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ} [الحشر: 14] وشبهه. فإذا وقفت، وقفت على الألف التي هي حرف الإعراب في قول الخليل وسيبويه؛ لأن التنوين يسقط في الوقف؛ لأنه ليس من مواضعه، قاله لي أبي -رضي الله عنه. وقد قال لي قبل ذلك: إن التنوين في هذه الأسماء المقصورة يبدل ألفا في الأحوال الثلاثة؛ لأنه فيها مجتمع أبدا مع فتحة، والفتحة توجب البدل لا الحذف، كانت إعرابا أو بناء، فإذا وجب إبدال التنوين ألفا اجتمع في الوقف ألفان، المبدلة والمنقلبة، فوجب حذف إحداهما لالتقاء الساكنين، فقال الخليل وسيبويه: المحذوف الألف الثانية، والاسم متمَّم في الوقف، وقد رجع إليه ما ذهب منه في الوصل. وقال أبو عثمان وأبو الحسن: الذاهبة الأولى دون الثانية، على أصلهم في: مقول ومبيع، والحذف محمول على التحريك، فإذا كان في موضع يجب فيه تحريك الثاني وجب فيه حذف الثاني، وذلك فيما كان فيه التقاء الساكنين في كلمة واحدة، وإذا كان الساكن الأول هو الذي تحرك كان هو الذي يحذف، وذلك فيما التقى فيه الساكنان من كلمتين. وقد خلط أبو الحسن وأبو عثمان في هذا، فحملا ما كان من كلمة على ما كان من كلمتين، فتقف على قولهما، في الأحوال الثلاثة على الألف المبدلة من التنوين. قال أبو جعفر: وذهب أبو علي الفارسي إلى اعتبار المعتلّ بالصحيح، فقال: الألف في حال النصب بدل من التنوين، وفي حال الجر والرفع هي التي تكون حرف الإعراب، ثم رجع عن هذا في "التذكرة" إلى قول أبي عثمان. فهذه مذاهب النحويين في هذا الفصل قد ذكرتها، وأبنت عن الصواب منها، وهو موضع لا يقيمه أهل العربية فضلا عن المقرئين، فقِفْ عليه. فإن قيل: فكيف وجه الوقف على هذه الأسماء على اختلاف أقوالهم؟ قيل: أما الوقف فيه لمن أمال من القراء فبالإمالة لا غير عند جميع من سمينا من النحويين. أما الخليل وسيبويه، فلأن الوقف عندهما على حروف الإعراب. وأما أبو الحسن، ومن تبعه فإنهم يميلون أيضا. قال أبو علي: لأن الألف المبدلة من التنوين لما عاقبت المنقلبة عن لام الفعل أُجري عليها ما كان يجرى عليها، كما أنه لما عاقبت الواو في: يغزو، والياء في: يرمي، والألف في: يخشى حركات الإعراب أُجري عليهن ما يجرى على الحركات من الحذف في الجزم. قال أبو جعفر: وبالإمالة في هذا الفصل في الأحوال الثلاثة أخذ معظم أهل الأداء، وهذا الذي لا يصح غيره. وفي "التبصرة" في هذا الموضع ما يحتاج إلى إصلاح؛ لأن أبا محمد -رحمه الله- بعد أن ذكر الصواب عن أبي الطيب حكى قول أبي علي، وجعله مذهب البصريين، وبنى عليه أنه يوقف لأبي عمرو على {قُرًى ظَاهِرَةً} بالفتح، وعلى {قُرًى مُحَصَّنَةٍ} بالإمالة؛ لأن الأول في موضع نصب، والثاني في موضع خفض. وقد ذكرنا أن المبدلة من التنوين تُمال أيضا لما عاقبت المنقلبة. وحكى قول الخليل وسيبويه، وعزاه إلى الكوفيين، ولعله أيضا أن يكون قول الكوفيين، غير أنه يجب أن تعلم أنه مذهب الخليل وسيبويه، وقد نص عليه سيبويه في أربعة مواضع من كتابه، فقِفْ على هذا الموضع فإنه لا يقيمه أهل العربية فضلا عن المقرئين. ومن هذا الباب {تَتْرَا} [المؤمنون: 44] في قراءة من نوّن. ذكر ابن مجاهد في كتاب السبعة أن الوقف لأبي عمرو بالفتح، وتبعه على ذلك أصحابه، فـ {تَتْرَا} عندهم كصبرا ونصرا، وزنه "فَعْل" والألف مبدلة من التنوين. قال لي أبي -رضي الله عنه: قال سيبويه: "فأما "ذفرى" فقد اختلف فيها العرب، فتقول: هذه ذِفْرَى أسيلة، وبعضهم يقول: هذه ذِفْرًى أسيلة، وهي أقلهما، جعلوها تلحق بنات الثلاثة ببنات الأربعة، كما أن واو "جدول" بتلك المنزلة، فكذلك {تَتْرَا} فيها لغتان". قال لي أبي -رضي الله عنه: يعني من التأنيث والإلحاق، فعلى قوله يوقف لأبي عمرو بالإمالة، ومن زعم أن الألف مبدلة من التنوين، وأنه "فعل" فقد خرج عن مذهب سيبويه، وهذا يوجب عليه أن تبدل الواو تاء في الرفع والجر؛ ليتمكن من حمل النصب عليهما، فيقال: تتر وتتر، وهذا غير معقول ألبتة. وكونه في الخط بياء موجب لكون الألف للإلحاق في من نوّن، كما هي للتأنيث فيمن لم ينون، وكثيرا ما تتعاقب ألف الإلحاق وألف التأنيث في آخر الكلمة، وإن كان أبو علي قد رجح أن تكون للتأنيث؛ لأن الإلحاق -زعم- لا يكون في المصادر، ولا يلزم طلب النظير، وقد يثبت الإلحاق في {تَتْرَا} دون سائر المصادر.
|